الأخبار

 في إطار الحرص على ربط الجوانب الأكاديمية بالتطورات العالمية والمحلية، استضافت جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمسقط، معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد في لقاء حواري مع طلبة الجامعة والأكاديميين, بحضور سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية. ويأتي اللقاء ضمن مبادرة "أفكار وسواعد", التي تنظمها وزارة الاقتصاد بهدف إثراء النقاشات وتبادل الرؤى حول مختلف التطورات الاقتصادية.
وخلال اللقاء, قدم معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد عرضا مرئيا حول أهم التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية, وتناولت محاوره الرئيسية توجهات الاقتصاد العالمي والتحولات ما قبل وبعد شهر أبريل من العام الجاري 2025 والذي شهد تصاعدا في السياسات التجارية الحمائية, كما استعرض معاليه مؤشرات الأداء الاقتصادي في سلطنة عمان والتداعيات الممكنة على الاقتصادات النامية والمتقدمة والاقتصاد العماني في ظل فرض الرسوم.  
وأوضح معالي الدكتور وزير الاقتصاد أن اتجاهات الاقتصاد العالمي ما قبل ابريل 2025 اتسمت بالعديد من التحديات من بينها استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي مع تراجع الاقتصاديات الكبرى وصعود الاقتصاديات الناشئة، والتنافس  الجيو اقتصادي، والقلق من معاودة التضخم العالمي للتفاقم, علاوة على زيادة أعباء المديونية العالمية وتسارع التغيرات المناخية,  ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا بمعدل 3.3 بالمائة خلال عامي 2025 و2026 ليواصل التباطؤ والبقاء عند نفس معدلاته خلال العامين الأخيرين, وقد شهد الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية تصاعدا مستمرا في التنافس الجيو اقتصادي وتوجه الدول نحو تبني السياسات الحمائية, كما يستمر ارتفاع الدين العالمي والذي يبلغ متوسطه 328 بالمائة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي في عام 2024 وفق إحصائيات معهد التمويل الدولي, وارتفع حجمه من 282 تريليون دولار في عام 2020 إلى 318 تريليون دولار في نهاية عام 2024, وفي تطورات التضخم, تراجع معدل التضخم العالمي عن ذروته التي سجلها خلال عام 2022 الذي شهد ارتفاع التضخم إلى نسبة 8.7 بالمائة واتجه للانخفاض ليسجل نحو 5.7 بالمائة في نهاية عام 2024, وتشير التوقعات إلى استمرار تراجع التضخم العالمي خلال العام الجاري والمقبل ليصل إلى 4.2 بالمائة في عام 2025 و3.5 بالمائة خلال عام 2026, لكن تبقى مخاوف من بقاء التضخم مرتفعا في حال تصاعد السياسات الحمائية.
 , ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة التجارة العالمية في عام 2023 ، أشار التقرير إلى التأثير المتوقع على الصادرات والواردات  بسبب السياسات الحمائية التي زادت على مستوى العالم, وأدت إلى زيادة تكاليف الاستيراد بنسبة تراوحت بين 7 بالمائة إلى  10 بالمائة في بعض القطاعات، مما قلل من تنافسية البضائع الأجنبية في الأسواق المحلية,  كما تواجه الدول المصدرة تحديات في الوصول إلى الأسواق الدولية بسبب الضرائب المُضافة على صادراتها, وقد تمتد تداعيات فرض الرسوم لسلاسل التوريد العالمية وتعطيل عمليات الإنتاج، خاصة في الصناعات التي تعتمد على مدخلات يتم استيرادها من عدة دول، مما يؤثر على كفاءة الإنتاج وتسليم المنتجات في الوقت المناسب, وقد تقوم العديد من الشركات بإعادة تقييم مواقع الإنتاج والتوريد، بحثا عن بدائل أقل تكلفة وأقرب إلى السوق النهائي لتقليل العبء الجمركي, وتتضمن التداعيات الممكنة على المستهلكين التأثير على ثقتهم وارتفاع الأسعار في كثير من الدول بعد الجهود التي قامت بها البنوك المركزية لضبط مستوى التضخم, وعلاوة على ذلك يعد تصاعد التوترات التجارية مؤثرا على العلاقات الاقتصادية الدولية وقد أثار ردود فعل سلبية متبادلة وقد يدفع ذلك الى الأطراف إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية الثنائية أو متعددة الأطراف لمواكبة موجة الحمائية الجديدة مما يؤثر على استقرار النظام التجاري العالمي, كما تفرض التداعيات ضغوطا على الاقتصاديات الناشئة والصاعدة وبشكل خاص التي تعتمد على التصدير. واستنادا إلى تقارير صندوق النقد الدولي في 2023 ، فإن زيادة السياسات الحمائية ساهمت في إبطاء النمو الاقتصادي العالمي بنسب تتراوح بين نصف بالمائة وواحد بالمائة في بعض الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وتشير الدراسات إلى أن عدم اليقين الناتج عن السياسات التجارية الحمائية أدى إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة تتراوح ما بين 2 بالمائة و3 بالمائة في الأسواق التي تأثرت بشدة، مما انعكس في تراجع خطط التوسع والتطوير لدى العديد من الشركات متعددة الجنسيات.
وحول أداء الاقتصاد العماني, أوضح معاليه أن سلطنة عمان تواصل تقدمها نحو النمو والتنويع والاستدامة المالية وفق مستهدفات رؤية عمان, ويشهد مسار النمو الاقتصادي استقرارا مع تحسن ملموس في مؤشرات الوضع المالي ومؤشرات أداء الاقتصاد الكلي خلال الخطة الخمسية العاشرة,  وخلال العام الماضي 2024, أدت متغيرات السوق النفطية لانخفاض إنتاج النفط الخام وتراجع مساهمة القطاعات النفطية في الناتج المحلي الاجمالي, وقد بلغ تراجع الأنشطة النفطية نسبة 3 بالمائة خلال عام 2024, وفي المقابل كان الأداء إيجابيا للقطاعات غير النفطية التي حققت نموا بنسبة 3.9 بالمائة خلال عام 2024, مما عزز استمرار ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان ليصل إلى 38.3 مليار ريال عماني وبمعدل نمو 1.7 بالمائة بالأسعار الثابتة.  وأضاف معالي الدكتور وزير الاقتصاد أنه من المتوقع ان يواصل الاقتصاد العماني النمو خلال العام الجاري بمعدل يتراوح ما بين 2.7 بالمائة حسب توقعات وزارة الاقتصاد و3.1 بالمائة حسب توقعات صندوق النقد الدولي.
وأوضح معاليه أن سلطنة عمان استطاعت الحفاظ على استقرار نسبي في الأسعار خلال الفترة المنصرمة، بفضل سياسات مالية واقتصادية متوازنة مكنت الاقتصاد الوطني من التعامل مع التحولات العالمية بكفاءة. وحول التداعيات المحتملة للسياسات الحمائية على الاقتصاد العماني، فيمكن أن يكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على التبادل التجاري, ويتجاوز حجم التجارة بين سلطنة عمان والولايات المتحدة الأمريكية 3 مليارات دولار سنويا, وتصدر عمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية سلعا تبلغ قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار، وتستورد منها سلع تبلغ نفس القيمة تقريبا, وأهم الصادرات العمانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في المنتجات النفطية والبلاستيك والألمنيوم والمواد الكيميائية والأسمدة والمعادن، فيما تعد السيارات والطائرات والبلاستيك والأدوات والمستحضرات الطبية والأدوية والمنتجات الكهربائية أبرز الواردات الأمريكية, والرسوم الجديدة التي تم فرضها مؤخرا يمكن أن تؤثر على بعض السلع التي لم يشملها الإعفاء، مثل الألمنيوم والبلاستيك, كما تشمل التأثيرات غير المباشرة امكانية زيادة الرسوم الجمركية على سلع معينة تؤثر على سلاسل التوريد العالمية, ففي حال ارتفاع تكاليف البضائع المصنعة أو المستوردة، فقد ينعكس ذلك على تكلفة السلع المصدرة أو المستوردة من عمان, وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض تنافسية بعض المنتجات العمانية في الأسواق التي تشهد تغيرات جذرية في الأسعار نتيجة للرسوم الأمريكية, كما  من الوارد أن تقوم  الشركات بتعديل  سياسات النقل واللوجستيات نتيجة للضرائب، و قد يبحث الشركاء التجاريون عن أسواق بديلة أو سلاسل توريد أكثر كفاءة، وهذا قد يتطلب إعادة تقييم الاستراتيجية التجارية والتعاقدية مع الشركاء الخارجيين.
وفي ختام اللقاء تم فتح الباب لطرح الأفكار والتساؤلات والتي أثارت تفاعلا مثريًا بين معاليه والطلبة والحضور، وتمحور حول التحديات الاقتصادية المستقبلية، مما أثرى الحوار وأسهم في تعزيز الوعي الاقتصادي للطلبة.